ككل سنة، في هذا الشهر يبدأ الشروع في إعداد القانون المالي للسنة المقبلة، حيث يقوم رئيس الحكومة بصياغة رسالة توجيهية إلى وزرائه بخصوص التوجهات الكبرى التي يجب أن يتناولها مشروع قانون المالية لسنة 2023. وعلى الرغم من أن هاته الرسالة التوجيهية عبارة عن بروتوكول روتيني سنوي، قد يتم تفصيل بنودها أو قد يتم اختزالها، لكنها، في نهاية المطاف، رسالة مهمة ترسم الطريق أمام أهداف السياسة العامة للحكومة.
وما هو مؤكد أن رسالة هاته السنة غير عادية بالمرة، وتأتي في سياق صعب وخاص واستثنائي على جميع المستويات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والمالية والدولية والأمنية.
من سوء حظ هاته الحكومة أن القانون المالي المقبل يتزامن مع أشد مرحلة من مراحل الأزمة الاقتصادية العالمية، ويتعين أن يرسخ حقيقة وفعلا المقاربة الحكومية في مجال إصلاح إنعاش الاقتصاد الوطني وإنقاذه من الاختناق ودعم التماسك الاجتماعي الذي يعيش أسوأ حالاته، وبالتالي فإن هاته الرسالة تستمد خصوصيتها من سياقها العام الاستثنائي.
إن ما ينبغي أن يميز الرسالة التوجيهية لهذه السنة هو أولا الخروج على هيمنة الأسلوب الإنشائي الفضفاض والتكرار وهيمنة العموميات في عرض الأولويات وغياب الربط المنهجي بينها. فالسياق الاستثنائي والصعب الذي تمر منه بلادنا والصدمات المتتالية واللامنتهية للأسعار، يستوجبان خروجا عن المألوف في الرسائل الروتينية التي كان يصدرها رؤساء الحكومات السابقة. نريد رسالة بشكل مغاير توضح بالملموس آليات تعزيز تنافسية الاقتصاد الوطني وإنعاش الاستثمار الخاص، كما تولي المكانة الاستراتيجية التي ينبغي أن تعطى للمجال الاجتماعي، لا سيما في مجال حسم تنزيل السجل الاجتماعي والتغطية الصحية والتعليم والصحة، وإنعاش التشغيل والرفع من الأجور وتقليص نفقات التسيير التي تنهك المالية العمومية.
الرسالة التوجيهية لهذه السنة ينبغي أن تستند على “المحور الاستراتيجي” للدولة والمتعلق بالمجال الاجتماعي أولا وأخيرا وقبل كل شيء، وهذا المحور لا يمكن أن يتحقق دون تنشيط الاستثمار العمومي، وبدون تقييم مسبق للقرارات التوجيهية على عيش المواطنين، سيما الطبقة المتوسطة والصغرى التي تشكو من حدة غلاء المعيشة وفشل سياسات التعليم والصحة وعجز المعرفة عن الاستجابة لتطلعاتها لا يمكن أن نخرج من عنق الزجاجة التي توجد بها بلادنا منذ ثلاث سنوات.
ما هو جدير بالذكر أن الرسالة التوجيهية لسنة 2023 ينبغي أن تخرج عن الإطار العام للميزانيات العامة السابقة، وأن تخرج عن الخطاب الاجتماعي المستعمل هو فقط للاستهلاك.