هل تحولت ثورة برشلونة من حالة التصحيح إلى الهدم؟
كم هي المرات التي رأينا فيها جمهور برشلونة يتحدث عن هوية النادي الخاصة، وكم هي المرات التي دخلنا فيها في مناوشات مع عشاق البلوجرانا حول فلسفة كرويف وأفكاره المتمردة.
الحديث في هذا الطريق يطول وربما لا نهاية له، لكن الحقيقة أنه من الأفضل تفنيد “أسلوب برشلونة في لعب كرة القدم” ومعرفة المعطيات التي احتاجها الفريق الكتالوني على مر العصور للعب هذه الكرة الممتعة.
وبالتالي يمكننا الحكم على صفقات البلوجرانا الجديدة، ووضعها في الإطار الصحيح للحكم استنادًا على تلك المعايير التي نتفق عليها، لا النظر على الأسماء من بعيد وقول “لا لا هذا اللاعب لا يناسب هوية برشلونة!”.
كيسييه لهدم بعض الأصنام
من المفارقات العجيبة التي رأيناها من جمهور نادي برشلونة أنه عندما تم إعلان اهتمام الفريق الكتالوني بمتوسط ميدان ميلان الإيطالي، فرانك كيسييه، انتشرت الفرحة لدى البعض بالصفقة الجديدة التي ستعوض “سيرجيو بوسكيتس”.
فيما اعترض الفريق الآخر عن إتمام تلك الصفقة، معتبرًا أن كيسييه لاعب بخصائص مختلفة عن “فلسفة برشلونة” وبالتالي هو لا يناسب منظومة تشافي التي يحاول فيها العودة إلى هوية النادي.
الحقيقة أن كلا الطرفين قد وقعوا في خطأ “القولبة” وهي طريقة معتادة يستخدمها الناس عند إطلاق الأحكام السريعة دون النظر إلى الأسباب والمعطيات وتحليل الموقف بصورة موضوعية.
في البداية وجب التنويه أن النجم الإيفواري لا يشارك في مركز متوسط الميدان الدفاعي، أو رقم 6 بعبارة أخرى، والحقيقة أنه قد فشل بصورة هائلة عندما استخدم في هذا المركز في بعض الفترات من قبل في ميلان.
وعندما اكتشف ذلك مدرب ميلان السابق، جينارو جاتوزو، قرر إشراكه في مركز متوسط الميدان الأيمن، أي اللاعب رقم 8، في الرسم التكتيكي (4-3-3).
بل أن فرانك لم يبرع وتظهر قدراته المدهشة التي جعلت برشلونة يتعاقد معه، إلا عندما قرر مدرب ميلان الحالي ستيفانو بيولي باستخدامه في منتصف الملعب بجانب لاعب يمتلك بعض الخصائص الدفاعية مثل تونالي أو إسماعيل بن ناصر في الرسم التكتيكي (4-2-3-1).
وبالتالي تم استخدامه في طريقة “double pivot” وهي التي تسهل عليه المهام الدفاعية وتعطيه القدرة على التحرك والزيادة الهجومية، وهو ما برع فيه كيسييه.
أما عن المغالطة الثانية وهي اعتبار كيسييه غير مناسب لفلسفة برشلونة، فلا أحد يعلم من أين جاءت هذه الفكرة.
بالنظر إلى كتيبة المدرب بيب جوارديولا التي حققت السداسية مع البلوجرانا أو حتى الأسماء التي انضمت بعد هذا الموسم، سنجد أنه دومًا ما كان يملك لاعبًا بخصائص كيسييه.
في البداية كان لديه الأسطورة الإيفوارية يايا توريه، ومن بعده النجم المالي سيدو كيتا، ثم النهاية مع خافيير ماسكيرانو.
الحقيقة أن جماهير برشلونة عليها التريث بعض الشيء قبل إطلاق الأحكام المطلقة على لاعبيها، فربما يوجد النفع من وراء تلك الصفقات وهم لا يشعرون.
معضلة كريستنسن
على الجانب الآخر، هناك تخوف واضح من صفقة أندرياس كريستنسن، النجم الدنماركي المنضم حديثًا من كتيبة فريق تشيلسي إلى كتالونيا.
في البداية نود أن نوضح أن أندرياس يمتاز ببعض الخصائص التي تتماشى مع أسلوب برشلونة الذي يحاول تطبيقه تشافي.
النجم الدنماركي ممتاز في قراءة اللعب وبناء الهجمات من الخلف، كما أنه ليس متسرعًا على الإطلاق في اتخاذ قراراته.
كل هذا يشير إلى صفقة إيجابية، فما هي المشكلة الحقيقة؟
الحقيقة أن كريستنسن لم يظهر بصورة جيدة على الإطلاق مع نادي تشيلسي إلا عند قدوم المدرب توماس توخيل في مسؤولية تدريب الفريق.
والفكرة ليست قي تعامل الرجل ذاته مع النجم الدنماركي، بل الوضع التكتيكي الذي رسمه المدرب الألماني، وبالتالي وجد فيه أندرياس نفسه.
توخيل قرر الاعتماد على الرسم التكتيكي (3-4-2-1)، والدفع بثلاثي دفاعي كان له مفعول السحر على النجم الدنماركي.
حيث ظهرت قدرات أندرياس بطريقة مدهشة وبدا للجميع وكأن تشيلسي قد تعاقد مع لاعب جديد بالفعل، أمر مشابه لما حدث مع زميله أنطونيو روديجر المنضم حديثًا هو الآخر لصفوف ريال مدريد.
المشكلة الآن أن برشلونة لن يغير من رسمه التكتيكي، بل أن تشافي يحاول جلب الصفقات التي تساعده على اللعب بالشكل الذي يريده، الأمر الي يطرح التساؤل حول نجاح أندرياس في برشلونة من عدمه.
هل غير برشلونة هويته؟
فرضية أن برشلونة غير هويته عبر هذه الصفقات لا أساس لها من الصحية، فنحن سردنا سويًا بعض الأسباب المتعلقة بإبرامه لهذه الصفقات الجديدة.
وتحدثنا أيضًا عن استخدام برشلونة لعناصر تمتلك خصائص مختلفة عن الأسماء الأساسية، وهو أمر بديهي وإلا سوف يختل الميزان.
وهناك عامل أساسي لا بد أن نتذكره عند إطلاق الأحكام على سوق انتقالات برشلونة ونقد الأسماء الجديدة المنضمة، وهو المال.
فبرشلونة لا يملك رفاهية المال وبالتالي لا يملك تشافي أن يختار العناصر التي يتمناها في فريقه ويذهب للتبضع من السوق بكل أريحية.
حتى الآن فتشافي يحلم بضم برناردو سيلفا من نادي مانشستر سيتي، لكن هذا الأمر يعني أنه لا بد من التخلص من فرينكي دي يونج لتوفير الأموال.
والشاهد من كل ذلك أن برشلونة في وضع استثنائي، ويعمل بنجاح لتوفير أفضل الأشياء بأقل الأسعار، موقف لا يود أحدًا أن يتواجد فيه، لكنه حقيقة مفروضة على الفريق الكتالوني وعشاقه.
برشلونة لم يغير هويته، برشلونة في طريقه للعودة كما كان.